روائع مختارة | قطوف إيمانية | أخلاق وآداب | إطلالة على تيارات نسوية ومرأوية في الغرب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > أخلاق وآداب > إطلالة على تيارات نسوية ومرأوية في الغرب


  إطلالة على تيارات نسوية ومرأوية في الغرب
     عدد مرات المشاهدة: 1873        عدد مرات الإرسال: 0

لمّا ظهرت حركة تحرير المرأة في أواخر القرن التاسع عشر إلى مطلع القرن العشرين في أمريكا وأوروبا وكندا، كانت غايتها ترمي إلى التعريف بمعاناة المرأة بوجه عام، على الأصعدة الإجتماعية والثقافية والسياسية، تبعًا للظروف السائدة آنذاك في العالم الغربي.

وعلى مدار 150 عامًا أو أكثر انقسمت هذه الحركة إلى تيارات وأفكار مختلفة يصل التعارض فيما بينها إلى حد إعلان الحرب على الآخر، مثل ما حدث في أواخر السبعينات والثمانينات بين هذه التيارات بإسم الحرب الجنسية بين النسويات-الأنثوياتFeminist Sex Wars.

أما ما يعرف بالفكر النسوي-الأنثوي Feminism فقد خرج من رحم الحركة العامة لتحرير المرأة الأولى، ليُشكِّل فكرًا مستقلًا بذاته وفلسفة تسبح ضد كل المسلمات التي عرفتها البشرية في علاقة الذكر والأنثى وطبيعة المرأة.

ويُقسم الباحثون الأنثوية والنسوية إلى ثلاث موجات رئيسة: الموجة النسوية الأولى، والموجة النسوية الثانية، والموجة النسوية الثالثة، وتحت كل موجة من الموجات تندرج تيارات أخرى سنتناول أشكالها في هذا المقال ومقالات قادمة إن شاء الله، وأبرز هذه التيارات، النسوية الراديكالية، والنسوية الثقافية، والنسوية اللسانية، والنسوية الليبرالية والمرأوية، والموجة الثالثة، والنسوية المناهضة للإباحية، والنسوية المؤيدة للإباحية.

* الموجة النسوية-الأنثوية الأولى هي باكورة موجات تحرير المرأة، يلخصها هذا الوصف للكاتبة الشهيرة فيرجينيا وولف بتصوير واقع النساء: النساء هن ضحايا لأنفسهن، وضحايا للرجال في آن واحد، حيث إنهم يحملن المجتمع على عاتقهن من خلال أداء وظيفة المرآة العاكسة لعالم الرجال.

وكان الهدف الأساس لهذه الموجة -التي عُرِّفت في وقت لاحق بإسم الموجة الأولى بعد تعريف الموجة الثانية- أن ترصد النظرة التاريخية في تعامل الرجل مع المرأة، وتميزت هذه الموجة بالإستخدام المكثف للغة الأدبية لتصوير معاناة النساء، وإنحصرت مطالبها في المطالبة بحقوق متساوية في المجتمع، ورفع المعاناة عنهن، والمطالبة بحق المرأة في المشاركة السياسية والمجتمعية، ويؤخذ على الموجة الأولى أن مَن أطلقن شرارتها هن النساء البيضاوات والطبقات الراقية.

* الموجة الثانية فقد شهدت صعودًا من مطلع الستينات إلى أواخر الثمانينات، وتطورت غاياتها عن الموجة الأولى برصد الناشطات فيها لمظاهر التفاوت الجنساني-الجندري في القوانين والثقافة، ومكافحة التمييز على أساس النوع في العالم الغربي، حيث بدأ تعامل رموز هذه الموجة خلال هذه الحقبة مع الأنثى على أنها الآخر.

ومن أبرز رموز الموجة الثانية سيمون دي بيفوار، لكن أكبر حدث ساهم في صعود هذه الموجة هو كتاب بتي فريدمان -الصفة الخفية للأنثى- ، حيث عبّرت كتاباتها من واقع كونها ربة منزل وناشطة سياسية، وإتسم كتابها بإلقاء اللائمة على النساء اللائي حصرن أنفسهن في دور ربات المنزل، والمجتمع الذي ساهم في خلق هذا الدور لهن، وحصر وظيفتهن في خدمة الأسرة التي بدأت تتحلل مجتمعيُا في الغرب، ومن بين أهم منجزات الموجة الثانية إعدادها لقانون الفرص المتكافئة في التوظيف لعام 1972م، وقانون الفرص المتكافئة في العلوم والهندسة لعام 1980م.

* الموجة الثالثة من بداية التسعينات، وهي أبرز الموجات على الإطلاق وأكثرها تطورًا في الفكر النسوي، وأكثرها إنقسامًا وتطرفًا، إضافة إلى أنها الموجة التي تحظى بمعارضة عارمة للفكر النسوي.

بدأت الموجة الثالثة في حقبة التسعينات بعد نشوب الحرب الجنسية بين النسويات-الأنثويات إلى آخر الثمانينات، وهي الحرب التي شهدت صراعًا بين جناحيّ الفكر النسوي: الجناح المؤيد للإباحية على الإطلاق، والجناح المناهض لها.

واتسمت الموجة الثالثة بميزتين مهمتين، ألا وهما: التراجع والإنحسار المفاجئ عن مطالب حركة تحرير المرأة في صورتها البسيطة الأولية، وتشويه جميع الحركات النسوية والتنميط السلبي تجاهها في الصحف والمجلات، والميزة الثانية هي تعالي الأصوات المناهضة للفكر النسوي بعمومه.

ويشار في هذا الصدد إلى مقالة صدرت في صحيفة التايمز عام 1998م بعنوان: هل مات الفكر النسوي؟ تطرقت هذه المقالة بإيجاز إلى تغير صورة المرأة المناضلة ذات القبعة البيضاء واليافطة البيضاء التي تنادي بحقوقها كما كان في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، إلى صورة مغايرة وأشد سلبية.

وتباعًا لهذه الموجات إندرجت تحتها صور متباينة للنسوية، وسنركز فيما يلي على ثلاثة إتجاهات داخل النسوية، ألا وهي: النسوية الليبرالية، والمرأوية، والنسوية الراديكالية، ثم نتناول في مقال قادم بروز تيار النسوية المناهضة للإباحية.

¤ النسوية الليبرالية:

رغم أنه من الصعوبة بمكان بعد مطالعة كتب النظريات الموضوعة عن فلسفة النسوية وثقافتها أن تقرأ تعريف النسوية الليبرالية، لكن في واقع الحال فإن النسوية الليبرالية هي التعبير الحقيقي عن أكثر مطالب وإنجازات النسوية المعاصرة.

ورغم أن مصطلح ليبرالي يشير إلى التقدميين والديمقراطيين، وأن من مطالب الفِكر الليبرالي الممتد منذ 300 عام هو البحث عن حرية الإنسان وحقوقه السياسية والاجتماعية، فإن الليبرالية النسوية تُعنى بتخصيص مثل تلك الحقوق كلها إلى المرأة، وأبرز ما تنعكس فيه النسوية الليبرالية الكم الذي لا نهاية له من القوانين والتشريعات واللوائح ومشروعات القوانين، التي تُطالب بعدم الإعتداد بعامل النوع في التعليم والتوظيف والعمل والإسكان، وما إلى غير ذلك من المجالات، وتناضل في سبيل هذا.

يُشار إلى أن أهم ما حققته النسوية الليبرالية في الولايات المتحدة هو صياغة مشروع قرار عن الحقوق المتساوية عام 1923م، ينص على عدم مساس أي جهة في الولايات المتحدة بمبدأ الحقوق المتساوية، وصاغته أليس بول عام 1923م بالتعاون مع الحزب الوطني للمرأة، وظل هذا النص خاضعًا للنقاش في الكونجرس الأمريكي، لكنه خضع للإقرار والتصديق عام 1972م، وكل هذا بفضل ضغوط الموجة الثانية من النسوية.

ونجحت النسوية الليبرالية عام 1966م في تأسيس المنظمة الوطنية للمرأة على يد بتي فريدمان، وسعت هذه المنظمة إلى إدخال نصوص تشريعية تطالب بالمشاركة الكاملة للمرأة مساواة بالرجل في الولايات المتحدة الأمريكية.

¤ النسوية المرأوية: Womanism

رغم أن المرأة الأمريكية السمراء شاركت في باكورة حركة تحرير المرأة الأمريكية، ومن أبرز الرموز سيلستين واير وبولي موراي، إلا أن التنظير والحِراك والنشاط والفعالية في مجال حقوق المرأة والتنظير للفلسفة النسوية كان في الأساس حكرًا على المرأة البيضاء والطبقة العليا والمتوسطة.

وبالتالي في عام 1973م تأسست المنظمة الوطنية للنسوية السمراء للتعبير عن مشاركة النساء السمراوات في التنظير للنسوية، وأبرز الرموز في هذا النشاط بل هوكس Bell Hooks وهي الناشطة الشهيرة السمراء في مجال حقوق المرأة على مستوى العالم، ثم أليس والكر التي صكّت مصطلح المرأوية للتعبير عن النسوية السمراء للناشطات السمراوات حول العالم، وهو الفكر الذي يحمل على عاتقه التعبير عن محنة النوع والعرق في آن واحد، فينصب نشاطهن على مكافحة التمييز على أساس جنساني وعرقي.

¤ النسوية الراديكالية:

تعد النسوية الراديكالية هي أخصب أنواع النسويات حديثًا، لتنوع مدارسها، وسيطرة رموزها وتصدرهن للتعبير عن الفلسفة النسوية بوجه عام، والراديكالية في الفكر النسوي ترجع في الأساس إلى شخص القائمات عليها، فغالبيتهن إكتسبن صفة الراديكالية في الفكر والممارسة من واقع شخصياتهن.

والنسوية الراديكالية لا تطالب بتقاسم السلطة ومراكز القوة بين الذكر والأنثى، بل تطالب بنسف مبدأ القوة من الأساس، لأنه نبع تاريخيًّا بسبب الإنتماء للنوع! فيطالبن بإعادة تعريف منظومة الأسرة وإعادة قراءة كل المسلمات، ونبذ أي قراءة بطريركية للتاريخ والدين والفلسفة والثقافة، ويرفعن مصطلحات الأسرة النووية، ويطالبن بمراجعة المعاجم والأدب والمصطلحات اللغوية حتى لا تحمل أي دلالات تحيزية للنوع، ومن أطرف ما طالبن به تغيير كلمة History إلى Herstory لأن المقطع الأول من الكلمة يشير إلى ضمير الملكية الذكوري! وعكفت نسويات على إصدار معاجم وقواميس نسوية لتغيير أشهر الكلمات التي تحمل أي دلالة ذكرية.

هذه كانت أبرز محطات جماعات حقوق المرأة والجماعات النسوية بإيجاز، لكن توجد تيارات أخرى متعارضة فيما بينها، وسنتناول أحدث هذه التيارات بالتفصيل وهي النسوية المناهضة للإباحية The Anti-porn Feminism في مقال قادم، وهو تيار ناشط وحديث ظهر كردّة فعل على تسليع المرأة The objectification of woman في الدعاية والإعلانات في الغرب، وفي صدام مع التيارات النسوية المؤيدة للإباحية، وكل هذه المعارضة ليست نابعة من إعتبارات قيمية أو أخلاقية، وإنما ترجع إلى إعتبارات أخرى في العداء مع جنس الذكور، والرغبة في الإنتقام من أحد أبواب التسلية لديهم، وهي المجلات والدعاية الإباحية.

الكاتب: طاهرة عامر.

المصدر: موقع رسالة المرأة.